برز خطاب الرئيس بشار الأسد كعلامة فارقة في القمة العربية الإسلامية في الرياض، إذ ثمة علامات مميزة فيها لا بد من التوقف عندها، ومنها حديثه عن “المحتلين الصهاينة وجرائمهم وكيانهم المصطنع”.

هذا يعني أن كل الكيان مصطنع، وهي نقطة جرى التأكيد عليها مجدداً في الخطاب ذاته: “فنحن لا نتعامل مع دولة بالمعنى القانوني وإنما مع كيان استعماري خارج عن القانون، نحن لا نتعامل مع شعب بالمعنى الحضاري وإنما مع قطعان من المستوطنين أقرب إلى الهمجية منهم إلى الإنسانية”.

عاد الرئيس الأسد إلى التركيز على النقطة ذاتها حين أكد أن المشكلة لا تتعلق بحكومة متطرفة، إذ إن كلهم ” كلهم يعملون بعقل إيديولوجي واحد، عقل مريض بسفك الدماء، مريض بوهم التفوق”.

ونستنتج مما سبق:
أ – رفض مشروعية الكيان الصهيوني بالوجود.
ب – عدم اعتبار “الإسرائيليين” شعباً، واعتبارهم قطعاناً من المستوطنين.
جـ – أن مشكلتنا ليست مع حكومة نتنياهو فحسب، بل مع العقلية الصـهــيــونية التي تحكم كل ذلك الكيان.

وهذا كلام واضح لا لبس فيه، عسى أن يكون واضحاً أيضاً لمن يشككون في الموقف السوري، أو لمن كانوا يأملون تخفيض سقفه نتيجة الحرب الكونية على سورية والحصار الخانق والمعاناة الشديدة.

العلامة المميزة الثانية في خطاب الرئيس الأسد في الرياض أنه استهل كلمته بتحية المــقــاومة وما قدمته من أيقونات بقادتها الشرفاء ومقاتليها الشجعان، وبالتأكيد على مشروعيتها.

كان ذلك مقدمة للإشارة إلى عقم نهج التسوية مع العدو الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني، من مؤتمر مدريد إلى مبادرة السلام العربية عام 2002، وعدم جدوى نمط الإدانة والاستنكار ومناشدة المجتمع الدولي، وضرورة التفكير بأدوات مختلفة من أجل وقف المجازر والإبادة والتطهير العرقي.

وهي أدوات يملكها العرب والمسلمون مجتمعين، والكلمة المفتاحية هنا هي “مجتمعين”، أي ليس سورية وحدها مثلاً، ولا أي قُطر عربي أو مسلم وحده، وإنما المطلوب هو القرار باستخدام تلك الأدوات التي أوضح الرئيس الأسد أنها رسمية وشعبية، أي تتطلب تفعيل العنصر الشعبي.

لنلاحظ هنا الإشارة إلى موضوعة التطبيع مع العدو الصهيوني في القول: لو رفض الكيان الصــهــيــوني التجاوب مع ما ورد في البيان (الختامي)، وهو المتوقع، هل نناشد المجتمع الدولي أم نقاطع؟ وهو أضعف الإيمان، أم ماذا؟ ما هي خطتنا التنفيذية؟

“إذ لا يجوز أن نتحدث مع اللص بلغة القانون، ومع المجرم بلغة الأخلاق، ومع السفاح بلغة الإنسانية”.

فتلك، برأيي المتواضع، دعوة للتخلي عن التطبيع، وعن النهج الرسمي العربي، وإلى اتباع درب المــقــاومة، بعد أن ثبت عقم النهج الرسمي.

أخيراً، وليس آخراً، انتبهوا إلى الإشارة إلى “تحول الغرب من داعم لهذا الكيان وجرائمه منذ قيامه إلى شريك مباشر ومعلن فيها”. فنحن نتحدث عن طرف أمريكي-صهيوني واحد فعلياً.

سورية تنزف، نعم، وهي محاصرة من عدة جيوش، والكيان الصهيوني يحاربها جهاراً نهاراً، لكنها لم ولن تستسلم، وموقفها ما برح قومياً مـ.ـقـ.ـاوِماً بالرغم من كل الآلام والجراح، والرئيس الأسد معنيٌ برفع الحصار عن سورية بكل تأكيد، وخصوصاً الحصار الرسمي، وحضوره في القمة جزءٌ من كسر ذلك الحصار، لكنه كقائد قومي عربي لا يلعب بالمبادئ والثوابت، وهو لم يلوح بغصن الزيتون، ولم ينثنِ أو يجامل، بل دعا إلى تبني نهج المـقـاومة، وهذا واضحٌ ولا يحتاج حتى إلى القراءة بين السطور.
المفكر العربي. د إبراهيم علوش-دمشق