لمجمل المناورات الاسرائيلية على المستويين العسكري والسياسي ، أستطيع ان أدعي أن العنوان الأكثر دقةً هو “جس النبض” … في الجنوب اللبناني ، وعلى مدى ما يقرب من الشهر ، والصبغة الرئيسية التي تصف الكرّ والفرّ والإقدام والاحجام لسبع فرق إسرائيلية هي تحركات لجس النبض ، ومحاولة لاستخلاص ماهية المقدرة العسكرية لحزب الله ، وهل ما ترتب على الضربات البيجرية واللاسلكية ، ثم سلسلة الاغتيالات التي أطاحت بجزء لا بأس به من القيادات السياسية التاريخية للحزب وكذلك قيادات الصف الأول العسكري هي ترتبات ترقى الى مستوى التصريحات المفرطة في التفاؤل والتطلعات الرغائبية للقيادة الإسرائيلية ، أم انها كانت ضربات مؤذية ، وذات تأثير فادح على المستوى التكتيكي ، ولكنها لا تعدو كونها كبوة ، لا أكثر ولا اقل ، ولا يمكن ان ترقى الى مستوى الإطاحة الاستراتيجية بالحزب ، بل وربما يكون الحزب ، ومن خلال قدراته الفائقة والسريعة على التعافي البنيوي سرعان ما تمكن من سد الثغرات وردم الحفرات ، ومن ثمّ استعادة زمام الامور وامتلاك ناصية زمام المبادهة… هذه أمور لا يمكن الارتكان فيها إلى التكهنات والرغبات المؤمّلة لإنجازات قد لا تكون واقعية ، ولا يصار الى استقرائها إلا بجس النبض والتقرّب الحذر … وواضح أن عدم المقدرة على التقدم على الأرض ، ومئة قتيل بين ضابط وجندي وألف جريح حيّدوا خارج ساحات القتال ، وتدمير ما لا يقل عن 50 ميركافا ، من دون أي إنجاز عسكري ، واضح آن ذلك يؤشر الى ان أيّ محاولة للتوغّل العميق حتى الليطاني كما تحلم به القيادة الاسرائيلية ، سيفضي ببساطة الى تمزيق الجيش الاسرائيلي ، تماماً كما توقّع سيّدي ومهجة قلبي ، والموجود بيننا بروحه وفكره و بصيرته وفلسفته أبو هادي … جس النبض هذا لا يقتصر على المستوى العسكري ، بل هو ينسحب أيضاً على المستوى السياسي ، والذي يمثله تلك الزيارات للمبعوثين الامريكيين من هوكشتاين وبلينكن وبيرنز وهم يحاولون من خلال المبادرات المجتزأة والتي تتبناها بعض أطراف الوساطة العربية ، جس نبض القوى السياسية ، سواءً لدى لبنان ، أو لدى حماس ، واستشفاف هامش الحركة الذي ستبديه القيادات في لبنان فيما بعد نصرالله ، أو القيادات في حماس ، فيما بعد السنوار … سيستمرون في محاولة جس النبض ، لمحاولة استشعار أي ضعف هنا ، أو أي وهن هناك … ولن يكون مجديًا سوى الثبات المطلق على الأرض ، بل والتصعيد في الكم والنوع للعمليات المقاومة لهذا العدو ، وتكبيده الخسائر التي لا طاقة له على تحمّلها ، ولنا في جبهة لبنان مثالاً على ذلك ، فالعمليات بواقع يومي ، تضاعفت إلى أرقام قياسية ، وكذلك مساحة الاستهداف في شمال الكيان غطّت عشرات المدن والمستوطنات الجديدة… عدوّ كهذا ، لا يجدي معه فتيلًا سوى مزيد من الدم ، ومزيد من تحطيم العظام … فلا يفلّ التغوّل والتوحش وسفك الدماء ، إلّا قبضات الحسينيين وزنودهم ، وإدماء قلب وتكسير عظام وأسنان نتنياهو وكيانه المصطنع البائد .
سميح التايه