يخطئ من يتصور أننا في حرب مع الكيان الصهيوني، بل إننا في حرب حقيقية مع أمريكا الاستعمارية بوجهها القبيح، واستراتيجيتها التي تتجسد في “حتمية”.. السيطرة على منطقتنا العربية، للحيلولة دون وحدتها، وتقدمها، بغرس الخنجر على رقبتها، إذا ما تحركت “هفوة” في طريق إعاقة تنفيذ استراتيجيتها، فإن القتل العمدي، والإبادة الجماعية، هي الوسيلة لتدمير هذه “الهفوة”، أو “الصحوة”، والإصرار على جعل الأمة العربية والإسلامية في حالة نوم دائم.
فهذه هي أمريكا الاستعمارية، التي ساعدت في غرس الكيان الصهيوني، عن بعد منذ أكثر من مائة عام، حتى ورثت هذا الكيان، بعد الحرب العالية الثانية، من القوى العظمى القديمة (بريطانيا/ فرنسا)، لترعاه، وتنفيذا للمشروع الأمريكي في السيطرة على المنطقة، مع ظهور البترول، فازدادت أهمية الموقع الجيواستراتيجي، في ظل خريطة العالم، والتنافس مع الاتحاد السوفيتي، تلك القوى العظمى الصاعدة. فأرادت أمريكا حصاره من كل ناحية، ليظل قابعاً في حدوده، ولا يفكر في الخروج إلى مناطق نفوذ جديدة له، بحيث يخلو العالم وخريطته السياسية تحت نفوذ أمريكا والغرب الاستعماري. ومن ثم فإن السيطرة الأمريكية على قلب العالم وهو المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط، هي سيطرة على العالم كله، وبما يضعف الطرف المنافس، ويجبره على عدم المغامرة في الصراع مع أمريكا وحلفائها. وهي بذلك تنفذ ما أوصى به عالم الجغرافية السياسية الأمريكي (ماكيندر)، الذي قال: “أن من يسيطر على منطقة الشرق الأوسط، فهي قلب العالم، ومركزه، فقد يسيطر على العالم، للموقع الوسطي، ووجود الممرات المائية (بحار ومضايق وقناة السويس).. الخ”.
وقد تم غرس هذا الكيان الصهيوني، كأداة استعمارية، لها وظيفة في عدم تكامل هذا الإقليم، ووضع كل دويلاته تحت الضغط والإرهاب والتهديد، بما يساعد على نهب الموارد، مقابل حماية الحكام في كراسيهم، دون الالتفات إلى الشعوب، التي يجب أن تستمر في العبودية والتجهيل وتزييف الوعي، واختصار تطلعاتهم في “المأكل والمشرب” للعامة، والحياة المرفهة للخاصة والعملاء، الذين يساعدون في تكريس الأوضاع القائمة. ولذلك قتلوا الزعيم جمال عبد الناصر، وقتلوا مشروعه، وأخضعوا مصر، منذ حكم خليفة ناصر (السادات)، في حماية وخدمة الكيان الصهيوني. ثم التفتوا إلى الجهات المقاومة في لبنان وسوريا والعراق، ليتم تدميرها بالكامل!! كما أن دول مثل (ليبيا، والسودان، واليمن) كان لابد أن تدخل مرحلة الدمار والتقسيم، وكان من قبل (الجزائر)، لسنوات طويلة، وهكذا تم إغراق هذه الدول، مصاحبة، لتفكك الاتحاد السوفيتي وخروجه من ساحة المنافسة. ليظل الاستعمار الأمريكي، جاثماً على نفوسنا في منطقتنا العربية، بعدما أمم غالبية نظم الحكم ورموزهم، ونهب كل مواردنا، وإفقار شعوبنا. وهنا، فإن وجود واستمرار الكيان الصهيوني، يمثل أهمية كبيرة، لتهديد المنطقة كلها، وتهديد نظم الحكم، وغرس الفتنة، ليحول دون يقظة الشعوب، وتوليد نظم حكم جديدة، منتمية للمنطقة، ومحبة لشعوبها، وحافظة لتراثها وتاريخها، ومن لا يدرك ذلك، ولا يريد أن يصدق، فليتابع تفاصيل ما يجري داخل كل قطر عربي بلا استثناء!!
وفي هذا السياق، فإنه منذ تفجر عملية السابع من أكتوبر 2023م، المعروفة بـ “طوفان الأقصى”، والتي عبرت عن ميلاد إرادة حرة مستقلة، تسعى إلى التحرير والاستقلال، واقتلاع الكيان الصهيوني من الإقليم، ومن ثم القضاء على النفوذ الأمريكي في المنطقة بأسرها، لتبدأ صفحة جديدة في تاريخها مع تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، إلا واعتبرتها أمريكا عملية موجهة ضدها، وبالتالي لابد من إعلان الحرب عليها، وعلى من فكروا فيها، والانتقام منهم، بل أنهم لم يكتفوا بعقاب خفيف، بل مواجهة شاملة، وصلت إلى قتل الرموز الكبيرة (هنية – نصر الله – السنوار – صفي الدين)، وكذلك القيادات الوسيطة (فؤاد شكر وزملائه) وغيرهم. بل أن أمريكا نفسها تولت إدارة المعركة ضد الإقليم كله، بدون رحمة أو التزام بقانون دولي أو قواعد الحرب، أو المبادئ الإنسانية، بل أدارتها بأقذر وأسوأ أدوات القتل والحرب، بلا سقف أو قواعد أو حدود.
وقد أعلنت أمريكا، من اللحظة الأولى، المساندة الكاملة، للنتن/ياهو، وعصابة الحكم في الكيان العنصري الاستيطاني، وشجعتهم على الإبادة الجماعية (Genocide)، ولم يلتفتوا إلى منظمات دولية (الأمم المتحدة)، ومؤسسات العدالة الدولية (العدل الدولية – الجنائية الدولية)، ووصل الأمر إلى التهديد العلني والمباشر – إلى حد الفجور – لقضاة المحكمتين، وقادة دول، وغير ذلك. بل شجعوا – وهم المشاركون في إدارة ما يحدث، على هذه الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة والضفة وفي لبنان، وفي سوريا، على كسر قواعد القانون الدولي، وانتهاكه علنا، وبلا خجل!!
ووظفت أمريكا الدول الحليفة لها، في الإقليم، في تبريد وتبرير المواقف، وتوجيهها للضغط على حركات المقاومة (حماس والجهاد على وجه الخصوص)، ومحاولة الوصول إلى اتفاقيات هزيلة، دون وعود بوقف الحرب، أو الانسحاب من غزة، ودون التزام بإعادة التعمير، بل دون التزام بفتح الحدود والمعابر لتوصيل المساعدات لشعبنا العربي في غزة، وسط صمت حقير من جامعة تسمى جامعة دول عربية، ونظم عربية ونظم إسلامية، ودون أي موقف يعبر عن الشعوب الغاضبة، التي تم قهرها، إلى حد عدم الاهتمام بأصواتها أو رأيها!!
فقد قتلت قوات جيش الاحتلال، الصحفيين والإعلاميين، بما يقرب من (200)، أخرهم من قتل في قناتي الميادين والمنار، صباح يوم الجمعة 25/ أكتوبر/ تشرين، في عمارة مدنية بجنوب لبنان، معروف أنها لإقامة الإعلاميين!! وهي من جرائم الحرب المعروفة!! فمن يحاسب هذا الكيان المدعوم أمريكيا وأوروبيا، وهم الذين يتظاهرون بالتباكي على شعب لبنان وفلسطين، بشرط أن يستسلموا للإرادة الأمريكية الصهيونية!! وهم في الأصل يصرون على قتل روح الإرادة، والمقاومة في نفوس أبناء المنطقة، وهو ما لن يحدث نهائياً بإذن الله.
كما أنهم يقتلون الأطباء، ويدمرون عربات الإسعاف، ويهدمون المستشفيات على من فيها، في غزة ولبنان، بل في سوريا، دون رادع على الإطلاق!!
والناس يتساءلون، من يوقف هذا العدو الصهيوني، وداعمه الأمريكان والأوروبيون، عند حدوده؟! ومن يجبره على الالتزام بقواعد القانون الدولي وتنفيذ قرارات المنظمات ومؤسسات العدالة الدولية، بوقف الحرب، وتقديم المجرمين إلى العدالة الدولية.!
لذلك: لا أرى في الأفق، وقفاً للحرب، بل تصعيداً، لأن الكيان ومسيره (أمريكا)، يصر على التصعيد حتى النهاية، باعتبار أن ذلك مسألة وجودية، بل يتحدثون عن “إسرائيل الكبرى”، مما يستدعي عندنا، ضرورة اعمال وتنفيذ كل ما لدينا للقضاء على الكيان الصهيوني، بكافة الوسائل وخلال الأيام القادمة، وقبل انعقاد الانتخابات الأمريكية يوم الخامس من نوفمبر القادم. بل إن الشعوب في كل أنحاء العالم مطالبة بالتحرك ضد منشآت أمريكا، والكيان الصهيوني، بل أن الشعوب العربية والإسلامية، عليها التحرك لإجبار نظمها الحليفة لأمريكا والكيان، على تغيير سياساتها، وإلا فالسقوط هو الحل، واستبدالها بنظم حكم وطنية.
وأرى أنه قد حانت ساعة النهاية، لهذا الكيان، وأن المقاومة سبيلها النصر لكل الوسائل بإذن الله، ودعمه، وحانت ساعة التغيير، وعلينا أن نحشد الجهود لتحقيق هذا الهدف، وفي نفس الوقت علينا أن نبحث، فيما هو تالي لانهيار الكيان الصهيوني ورحيل سكانه، كما حدث على يد صلاح الدين الأيوبي، بإجبار الصليبيين على الرحيل وتحرير بيت المقدس، ونستلهم في ذلك روح سماحة السيد/ حسن نصر الله، وكل القادة الرفاق بمحور المقاومة، نصركم الله ونصرنا معكم.
القاهرة في السبت 26/ 10/ 2024م د. جمال زهران