لم يكُن رفعُ خارطةِ “شرق أوسط جديد” على قياسِ أوهامِ الصهيونية العالمية في محضرِ مجلسِ الحربِ الصهيوأميريكي، وتأكيدُ قادةِ الكيان “الإسرائيلي” على أنهم يخوضونَ حرباً وجودية، واستجابةُ قادةِ الطغيان الأمريكي بالقول إن حجمَ “إسرائيل” صغير، وكلُّ ما جرى من استعارِ لغةِ النارِ والتهديدِ والوعيدِ داخلَ حلبةِ الحراكاتِ الديبلوماسية مؤخراً .. لم يكن في الحقيقة سوى توقيعاً بالموافقة لنتنياهو على عنوانِ الحربِ الجديد “حرب القيامة”!

التَّوقيعُ كما باتَ يرى الجميعُ ويعلمون.. لا يجري بالقلم عند الأمريكي.. بل تؤدي طقوسَه بوارجُ وفرقاطات، وتحملُ حبرَه طائراتٌ وصواريخ، وتدفَعُ مهرَه عشراتُ ملياراتِ الدولاراتِ، ويقونِنُه ويحوكِمُه الفجورُ الأمريكيُّ الذي مازالَ يعيثُ بالمنظماتِ الدولية كما يشاء.. بل يعربدُ فيها بطشاً وقتلاً وإباداتٍ وحروباً تسْكرُ على دماءِ الطفال.. وتنتشي بطعمِ لحمِ الضحايا.. وتتنصَّبُ على عروشِ الدمارِ!

1-“حربُ القيامة” والحسابُ القديم، عملية الوعد الصادق 2:

يمكنُ تلخيصُ منجزاتِ الوعدِ الصادق الثاني الذي نفذته الجمهوريةُ الإسلامية بنقاطٍ استراتيجية عدّة من أهمِّها:

1⃣ أعادت الحرب الباردة التي استمرت 45 عاماً بين إيران و”إسرائيل” تعريفَ خطوطها الحمراء.

2⃣ الهجوم الذي نفذته الجمهورية الإسلامية الإيرانية فاق التوقعات وكشف حدود الردع الأمريكية.

3⃣ تراجع الردع “الإسرائيلي” وبرزت الحاجة المتزايدة لاعتماده على الدفاع الأمريكي وهو ما تأكَّدَ لاحقاً باستدعاءِ منظواتِ دفاعٍ جويٍّ أمريكي أهمُّها “ثاد”التي تعدُّ الوحيدةَ القادرةَ على التَّعامل مع الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى وتدميرِها داخلَ أو خارجَ الغلافِ الجويِّ عندَ المرحلةِ النهائية من توجُّهها نحو الهدف.

4⃣ تم اختبار القدرات العسكرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية أمام عيونِ العدوِّ ورأى فشلَه أمامَ ما أفصحت عنه إيران في عمليتِها وهو بالتأكيد ليس كلَّ شيء.

5⃣ ازداد ثقل وحضورُ الجمهوريةِ الإسلاميةِ لا كقوةٍ إقليميةٍ فقط تعزَّزَ حضورُها الوثيق أكثر في فلسطين والمحور.. وإنما كثالثةِ القطبِ الجديدِ الصَّاعد القادرِ على مواجهةِ حلفِ العدو والتفوقِ عليه وتحقيقِ الهزيمةِ فيه من جهة وكقوةٍ تسحبُ التحالفاتِ من بين يدي الأمريكي في المنطقة ويبرز شاهداً على ذلك كمثال التصافحُ الديبلوماسي الذي جرى بين خارجية إيران والخارجياتِ العربية الخليجية خصوصاً عقبَ الوعدِ الصادق الثاني، وهو مشهدٌ في أقل تقدير لا يفضِّله الأمريكي ولا يحبذه وماكنا لنراه قبل سنواتٍ من تاريخِ المصالحاتِ الإيرانية في المنطقة.

وأما عما حققته العملية من مقاتلَ في الجسمِ الصهيوني العسكريِّ فقد تركَّزت في ضربة قوية من وحدة الصواريخ التابعة للحرس الثوري الإيراني على مراكز تخزين أسلحة الدمار الشامل، وأفادت مصادر استخبارية أن أحد المواقع التي استهدفت في هذه العملية بالصواريخ هي قاعدة “هاتزيريم”، وقد تم إنشاء هذه القاعدة في الستينيات وتضم كلية الطيران للقوات الجوية “الإسرائيلية” ومتحف سلاح الجو :الإسرائيلي”.

وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تُعتبر هذه القاعدة موقعاً لتخزين أسلحة الدمار الشامل “الإسرائيلية”. وتضم القاعدة مجموعة من أسراب القوات الجوية “الإسرائيلية”، بما في ذلك سرب F-16، وسرب F-15، وسرب تدريبي M-346-LAVI، وتحتوي على 4 مدارج للطائرات.

وقد تداولت قراءات كثيرة بقية إحصاءات العملية ولكنَّنا نركِّزُ على هذه بالذات لأن العدوَّ في سياقِ “حرب القيامة” هُرعَ إلى استخدامِ مطاراتٍ وقواعدَ عسكريةٍ له في ساحاتِ إسنادٍ مُعدَّة مسبقاً لعل قُبرص تكون أحدها ناهيكَ عن القواعدِ العسكرية التي تقبعُ في بعضِ الدُّولِ العربية المجاورة وقد تكون تركيا أحدَ الشكراءِ المهمين للكيان فيما تمَّ التخطيطُ له لاحقاً.. وليسَ أسطولُ أردوغان لإنقاذ الكيان بمعزلٍ عن المشاركةِ في أيِّ مفصلٍ من مفاصلِ المواجهة.. دعكم من زيفِ تصريحاتِ الثعلبِ التركي.. وصدِّقوا فقط الوقائع في الميدان!

إذن.. نفذَّت إيران وعدَها الصَّادق الثاني في أجلٍ أعدَّه الترتيبُ الإلهي ليشكَّلَ رافعاً لروحِ المقاومينَ وإسنادِهم بعد فقدِ سماحةِ السَّيد.. لنرى في النتائجِ الملموسةِ صعوداً متسقاً للعملياتِ التي نفّذتها المقاومة في حزب الله بعدَ ذلك.. والتي حضرت فيها روحُ الانتصارِ والمقاومة التي كان يجسدها ويمثلُّها سماحةُ اليقين لكلِّ أبنائه.. وتوالت منجزاتُ الجنوب العظيم جنوب السماء في لبنان!

2-“حربُ القيامة” واستشهادُ سيِّد شهداءِ العصر:

ليس الأمر بحاجةٍ إلى مؤتمرٍ صحفيٍّ للمصادقةِ على “حرب القيامة” كما يريدُها رجالاتُ الدولة العميقة في واشنطن وكما أعلنها لهم الطاغوت الأكبر نتنياهو.. فأطنانُ المتفجِّراتِ التي تنهالُ يومياً على غزة والجنوب.. والعدواناتُ على سورية التي سجَّلت أعلى معدَّلٍ لها كمَّا ونوعاً منذ بدءِ الكيان بها خلالَ الحربِ على سورية، وإعادةُ ترتيبِ وتموضع وتعزيزِ قواتِ الأمريكي في المنطقة بالتنسيقِ مع الجيوشِ الإرهابية التي تسانده.. هو سياقُ متَّصلٌ بما رأى حلفُ العدوِّ أنه حققه من خلالِ الاغتيالات التي نفذَّها مؤخراً وعلى وجهِ التحديد بعد استشهادِ سيِّد شهداءِ القدس سماحةِ اليقين، وسياقٌ يؤكِّدُ بعد عملية إيران أن العدوَّ لن يفرِّطَ به أي بما يعتقد أنه حققه إلا تحتَ عنوانٍ واحد وهو “زوالُه النهائي من أرضنا”!

وهنا يجب توطينُ أهم مرتكزاتِ الصهيونيِّ التي هدفَ لها من هذه العمليات من أجل إدراكِ ما كان وما سيكون من سلوكِه ومخططاته بعدَ ذلك.

من البدهيِّ أن العدوَّ لم يعتقد للحظة أنه باستهدافِ سماحةِ اليقين ستزولُ ترسانةُ الحزب الحربية وتختفي مقرَّاتُ عماد 4 وسواها ويفنى المقاومون.. أو أن محورَ المقاومة بعدَ ذلك سيكون بلا سلاحٍ للقتال وبلا جنودٍ للحرب.. ولكن الأكيد أن العدوَّ أرادَ قتلَ روحِ المقاومة التي تجعلُ من كلِّ ذلك وسيلةً أكيدةً للقضاءِ عليه وإزالتِه من الوجود!

المستهدفُ من اغتيال السَّيِّد هو الروحُ الجامعةُ التي كان يجسِّدها للمقاومةِ جمعاء.. فهو كلمةُ المحور العقائدية والعسكرية والقيمية والروحية في آنٍ معاً.. وهو الذي لا تستطيعُ أن تحوطه أوصاف ولا أن تحتويه كلمات.. واستشهادُه سيعني بالضرورة بنظر العدوِّ القضاء على الفكرة لأن الفكرة مالم تجد عزيمةً تتحمَّلُ مسؤوليتِها لن تتحوَّلَ إلى فعلٍ وعمل!

وهو ماكان عليه الامتحانُ الثقيلُ المؤلمُ في رحيلِ سماحةِ الأمين.. وبقدرِ ماكانَ خطيراً على المحور هذا الرحيل بقدرِ ما شكَّلَ ذلك فرصةً وغنيمةً بالنسبةِ للعدو لا يمكنُه التفريطُ بها تحت أيَّ عنوان.. لذلك فإننا وجدنا العدوَّ يحتملُ مالم يكن ليحتملَه من ضرباتٍ موجعة أثناءَ وجودِ السيّد.. حتى أن قراءاتٍ تحليلة كثيرة ذهبت إلى أن الكيان فاجأنا بقدرتِه حتى على احتمال الخسائرِ البشرية في الحرب وهو مالم يكن عليه سابقاً!

ولكنَّ سرَّ ذلك لا يكمنُ في القدرةِ على الاحتمال.. بل يكمنُ بخطورةِ التفريطِ بالفرصة لدى الكيان.. لذا وجدناه بعد كلِّ عمليةٍ تنفذها المقاومة يزدادُ شراسةً في تنفيذِ تدميرِه أو عدواناتِه التي توسَّعت لتشملَ أكثر من ساحةٍ في المقاومة في آن معاً ولم يكفَّ كذلك عن تنفيذ اغتيالاتِه وصولاً إلى الشهيد يحيى السِّنوار وسياقاً بما سبق ولحق ذلك وأغلبُه فشلَ العدوُّ فيه بسببِ مغالطاتٍ استخبارية!

ولعلَّ أوضحَ مثالٍ على ذلك هو محاولةُ العدوّ التقدم في العمقِ السوري من القنيطرة وإزالتُه حقولَ الألغامِ في المنطقة بالتوازي مع تنفيذِ العدواناتِ على سورية ولبنان وفلسطين كلٌّ منها بشكلٍ ونوعٍ يوحي بأن لدى العدوِّ قدرةً على القتال على كلِّ هذه الجبهات!

ولكنَّ رياحَ المقاومةِ جرت بما لا تشتهي الفرصةُ الصهيونيةُ للنجاة مرة أخرى!

لعلَّ أعظمَ وجهٍ في اعتقادِ غالبيةِ أبناءِ المحور بأن السيِّد لم يستشهد.. أو في رفضهِم لهذا الجلَلِ الثقيل… هو أن السَّيدَ لم يرحل فعلاً!

لقد رفضَ أبناءُ المحور رحيلَ السَّيِّد.. وسماحته أبى إلا أن يبادلَهم هذا الوفاءَ والحبّ.. فلم يرحل!

لذا فإنهم أحيوه في قلوبِهم وفي أرواحهم وهو حلَّ في كلٍّ منهم فازداد باستشهادِه حضوراً وازدادوا بغيابِه بأساً وقوةً وتمسُّكاً وإيماناً وإصراراً على رفعِ مقصلةِ العدو!

بأمر روحِ السَّيَد.. من بينامينا إلى بينامين:

بالترافقُ مع المنجزاتِ العسكريةِ العظيمة التي يحققها أبناء جنوب السماء في لبنان والتي تُنجزُ وعيدَ السَّيدِ للكيانِ في جنودهِ ودباباتِه إذا ما فكر في اجتياحِ الجنوب.. كانت عمليةُ بنيامينا التي ألقَمت جنودَ لواءِ جولاني وضباطَه لقمتَهم الأخيرة في مطعمِ الموتِ الذي يستحقونَه.. وفي قراءةٍ بسيطةٍ لهذه العملية سيجدُ متابعو المشهد أن الحزبَ لمّا يفصِح بعد سوى عن بعضِ قدراتِه المُدهشة في التخطيط والتنفيذ.. معتمداً على بنكٍ استخباريٍّ دقيق يوصلِه إلى معلوماتٍ بهذه الأهمية عن مكان تجمُّعِ الجنود ومواعيد طعامِهم من أجل تقديمِ وجبة عشاءٍ فاخرةٍ تليقُ بهم!

وفي الجهة المقابلة عرَّت عمليةُ بينامينا الادعاءات حول سيطرة مخابرات الكيان الصهيوني على سماء المنطقة بطائراته المسيرة وسواها، وخاصة تلك المناورات الدعائية التي يقوم بها صحفيو هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الفارسية في لبنان والأراضي المحتلة.

وأبرزت مسيرةُ حزب الله التي اقتحمت موائدَ لواء جولاني غباءَ القبة الحديدية، والتي حاول زبانيةُ الكيان وإعلامُه تقديمَ فشلِها في اعتراضِ المسيراتِ والصواريخِ المقاومة بأنه مجرَّدُ خطَّة ذكية من القبة إياها، تقوم على عدم إطلاق النار على الطائرات المسيرة والصواريخ التي من المفترض أن تضرب مناطق مفتوحة، وهو ادعاء كسري ناجي مراسل بي بي سي الفارسية في تل أبيب.. فالمسيّرةُ جاءت بأطباقِها إلى موائد لواء جولاني لواءِ النُّخبةِ لدى الكيان اللقيط وقدمت الواجب “وزيادة”.. وألقمت العدوَّ عشاءً في جهنَّم.. مصدِّرةً مشاهدَ مذلَّةِ الكيانِ قبلَ زواله.. فمكانُ جنودِ الاحتلالِ ريثما يتمُّ كنسُهم من أرضنا هو المجاري الصِّحية التي هُرعوا إليها بأمرِ مسيَّراتِ الحزب الكريمة.. التي لم تنفجر في مناطقَ مفتوحة كما تدَّعي رواية العدوِّ الغبي والأحمق!

كعادتِه العدوُّ عبَّر عن ذلِّه وهوانِه بتنفيذِه مِحرقةً في خيامِ النازحينِ في غزة التي نزفت دماءً عن الأمة كلِّها.. مشهدٌ ليس غريباً عن نازيةِ العدوِّ ويعبِّرُ تماماً عن أنَّه هو من منفِّذُ المِحرقة لا ضحيتُها!.. وهو بهذه الجرائمِ الوحشيَّة يتابعُ سياقَ إبادتِه لأهلِ غزَّة ضمن أحد عناوين “حرب القيامة”!

وليس استهدافُ الشهيدِ السنوار بعد ذلك منفصلاً عن قراراتِ حربِ نتنياهو وحلفِه.. ولسنا في سياقِ تفنيدِ كذبِ ادعاءِ العدوِّ بأن العمليةَ كانت مصادفة، والوثائق التي بدأت تتسرّب من هنا وهناك كفيلةٌ بإثباتِ أن العمليةَ كانت استهدافاً مبيناً على معلوماتٍ دقيقة..وأن غاياتِ العدوِّ وراءَ قولِه إنها صدفة أخبثُ مما يعتقدُ أي قارئٍ للمشهد حتى الآن!

المهمُّ في كلِّ هذا أنَّ العدوَّ لا يريدُ التفريطَ على الإطلاق بفرصةِ النَّيلِ من عزيمةِ المقاومين والقضاءِ على روحِ المقاومةِ لديهم بعد استشهادِ السَّيد!

“حربُ القيامةِ” إذن مستمرَّة.. لكنَّ مسيَّرةَ عمليةِ “بينيامينا” كما أسماها الحزب كانت تعدُ نتنياهو بأن المسيرة التالية قادمةٌ إليك يا بينيامين!!

عدوُّنا غبيٌّ وأحمق كما يقول السيد الرئيس بشار الأسد.. ولم يفهم هذا العدوُّ اللقيط أننا نعني الأسماءَ بمسميَّاتِها.. وأن بينيامينا كانت ترمي إلى بينيامين.. ومرة ثانية وفي عمليةٍ نوعية يؤدي الحزبُ رسائلَه العميقة تخطيطاً وتنفيذاً.. عتاداً وتكنولوجيا.. وكان لافتاً في العملية أن الانترنت تمَّ قطعُه عن بيتِ النتن قبيلَ التنفيذ في رسالةٍ تحملُ قدراتٍ لم يفصِح الحزب عن استخدامِها بعد.. فللعدوِّ أن يقفلَ حساباتِ المقاومةِ وأبنائها على وسائل التواصل.. وللمقاومةِ أن تقفلَ الانترنت عن بيت نتنياهو قبل أن تطردَه وزوجتَه إلى رِفقةِ مستوطني الشَّمال!

حلفُ نتنياهو “الثابت” عالقٌ في اللاتراجع:

تفتَّقت شهيَّةُ البقاء والرّعبِ من الزَّوال عن فاتورةٍ جديدةٍ على كلِّ ساحاتِ الدولةِ العميقةِ أن تدفَعها من أجل بقاءِ قلبِ هذه الدولةِ العميقة نابضاً بالوجود.. وإلا فإن حلفَ -تل أبيب واشنطن- عمقاً وبعداً استراتيجاً مهدَّدٌ في أجزاء منه بالزَّوال وهنا نعني الكيانَ اللقيط، وفي أجزاءَ منه بالتضعضعِ ثم الانهيار وعلى رأس ذلك طغمةُ واشنطن والغرب!

الفاتورة تقتضي منظومات دفاعٍ أمريكية “ثاد” وأنظمة تدعيم وحماية لبيوتات نتنياهو ومنظوماتِ الحربِ الصهيونية في الكيان من الشاباك ومقراتِ الأركان والموساد وسوى ذلك.. ويلبي الأمريكي على عجل ومن دون نقاش.. لأنَّ مصيدةَ غزة العظيمة اتخذت من الصهيوني طعماً تلقَّمَه الأمريكي بغباء ليقعَ في الأوحالِ المتحركة لغزة وجبهاتها!

الهجومُ الكبيرُ على إيران وسياقاتُ غزو العراق والعدوان الخماسي على سورية:

كلُّ شيءٍ جرى وفق هذا الترتيب.. وبعيداً عن قضية تسريبِ الأهدافِ الموضوعةِ في عين مجلس الحرب الصهيوأمريكي في إيران والذي ركز على المفاعلاتِ النووية أو ضربةٍ نووية.. فالمشهدُ قبيلَ الهجوم يعيدُ إلى الذاكرة طقوسَ غزو العراق والعدوانِ الخماسي على سورية عام 2018!

الحراك الديبلوماسيُّ المحموم في المنطقة لم يكن على الإطلاق من قبيلِ تبادلُ التصافح وفناجينِ القهوة والابتساماتِ أمامَ الكاميرات.. مشهدٌ يشبُه تماماً أيامَ الإعدادِ لغزو العراق وأيام قرار أمريكا بشن عدوانِها مع الغرب على سورية عام 2018 من أجل إسقاطِ الرئيسِ الأسد الذي عجزت عنه جيوش إرهاب أمريكا وبدأ خطرُه يتسلَّلُ إلى البيتِ الأبيض من حيث لم يحتسبِ الأمريكي ذلك!

تمت صياغةُ البيئةِ الحاضنةِ لضربةٍ قوية ومهولة سيتمُّ توجيهُها للجمهورية الإسلامية… ضخٌّ إعلاميٌّ عاد ينفثُ سمَّه على أعلى مستوياتِ السُّميَّةِ المعروفةِ عن قنواتٍ غربيةٍ وصهيونيةٍ وعربية ناطقةٍ بالعبرية.. ارتفاعُ وتيرةِ التهديد بملفاتٍ كانت تهدِّدُ المنطقة في سياقاتٍ سابقة كملفِّ تفكيكِ الحزبِ ونزعِ سلاحِ المقاومة وتطبيق قرار 1701 على قياسِ الهوى الصهيوأمريكي مع آلة حرب إعلامية جاهزة لنفثِ سموم التشكيك بمصداقية دولةِ الرئيس نبيه بري من جهة وسمومِ مناهضةِ خطِّ المقاومة بالتوازي مع قصفِ بيئةِ المقاومة في لبنان بقوة وعنف كبيرين واستمرارِ استهدافِ القادة وتوجيهِ التهديدِ لهم على مرأى عيونِ الكاميرات كما حدث بتوجيه تهديد للسيد محمد عفيف أثناء إلقائه مؤتمره الصحفي!

العدواناتُ مرتفعةُ الوتيرة التي شهدتها سورية في برِّها وبحرِها في رسالةٍ تقولُ بأن البوارجُ تحاصرُ الساحلَ السوري والطيران يملكُ سماءَها متى شاء والقواتُ الصهيونيةُ والأمريكيةُ حاضرةٌ مع جيوشِ الإرهابيين فيما يشبهُ الطوقَ الذي يحوطُ سورية ويستعدُّ للانقاضاضِ عليها وكلُّ ذلك برفقةِ ذاتِ الآلة الإعلامية التي تعملُ على أجندة خبيثة مفادُها أن سورية تريدُ انفكاكاً من المقاومة من جهة وأنَّ الاغتيالات تتربَّصُ بها من جهةٍ ثانية!

وما لبثَ عاموس هوكشتاين أن حمل خفَّي لبنان صافعاً بفردةٍ منه رغبةَ الأمريكي وبأخرى الهوى الصهيوني حتى هُرع بلينكن إلى المنطقة لينقلُ الأوامر ويشرفَ على التنفيذ!

“حرب القيامة” وطقوسُ الإعلان عن تنفيذِ الضربة وتحقيقِ المراد:

ما تمًّ إعدادُه وفق معلوماتٍ لم تبدأ بالتسريباتِ الأمريكية عن الضربة ولم تنتهِ بتأكيدِ أن مئةً وثمانين طائرة معادية من طراز f15 إلى f35 كانت في الجوِّ أثناءَ تنفيذ الهجومِ الصهيوأمريكي على إيران هو إعدادٌ كبيرٌ وخطير تنمُّ عنه طقوسُ العنجيهة الأمريكية.. وليسَ من قبيلِ الخطأ التنظيميِّ أن المسؤولينَ الأمريكيين والبيتَ الأبيض والصحف الأمريكية قد أعلنوا عن بدءِ الهجومِ على إيران نيابةً عن “إسرائيل”.. طقوسٌ تعيدُ إلى الذاكرةِ إعلانَ جورج بوش انطلاق قواتِه لغزو العراق الذي بدأ بالقصف عام 2003 وإعلانَ دونالد ترامب مهاجمةَ قواتِه وصواريخه “الذكية” لسورية عامَ 2018!

وعامَ 2024 يتسيَّدُ البيتُ الأبيض مجدداً مشهدَ إعلانِ الهجومِ لكن هذه المرة على إيران لأن الثأر بين الأمريكي والإيراني ليس أقلَّ منه بين الكيان وإيران أيضاً.. ولم يلبث الصهيوني على لسانِ المتحدث باسم جيش الكيان أن أعلن أن “إسرائيل” تنفِّذُ هجومِها على الجمهوريةِ الإسلامية الإيرانية على أمل أن البياناتِ التالية ستحملُ في جعبتها تحقيقَ إصابةِ الأهداف التي لم تقلَّ شأناً عن استهدافِ المفاعلاتِ النووية ولم تستثنِ في حساباتِها الاغتيالاتِ على أعلى مستوى وفقَ تسريباتٍ لمضمونِ التهديدِ الذي وصل للسيد محمد عفيف أثناءَ مؤتمرِه.. وقد قيل أنها رسالةُ تهديدٍ باغتيالِ الإمامِ الخامنئي حفظه الله!

المشهدُ العسكريُّ للهجوم على قياس طقوسِ الإعلان؛ التحالفاتُ الوطيئة في القبضةِ الأمريكية:

هنا علينا أن نعودَ للتذكير بأن الحراكاتِ الديبلوماسية كانت محمومةً بالإعدادِ لشنِ حربٍ هي فاتحةُ “حرب القيامة” على إيران ولم تكن ديبلوماسية رومانسيةً كما يظنُّ البعض من أجل الذهابِ إلى مساراتِ التفاوض.. بعضُ الحراكات تجسَّدت في تمهيدِ سماءِ الأردن مدعساً وممراً لطائراتِ العدوان.. وبعضُها فشل وبقي جامداً يتربَّص..!

يريدُ ألأمريكي أن يقول بعد أن تجاوزَ الطيرانُ العراق عبر إقليم كردستان العراق من جهة وبعد تحليقِ الطيران عابراً الأردن وبعد استنفارِ مطاراتِ قبرص كرمى لعيون تل أبيب بأن المنطقةَ رهنُ قبضتي.. والآنَ سأعلنُ انتصاراً على غرارِ ما فعلتُ في غزوِ العراق وما ادعيتِ في العدوانِ على سورية!

حربُ المحور في وجه “حرب القيامة” الصهيوأمريكية.. بروفا رقم واحد:

لم يكن عدوُّنا الغبي والأحمق يدرك أن كاساتٍ أربع من الشاي في الفيديو الذي انتشر لسماحةِ الإمام الخامنئي عقب عمليةِ الوعد الصادق الثاني.. كانت على مائدة من يحضِّرون للمرحلة القادمة ولم يبدُ منهم سوى الإمام وجليسٌ قربَه!

فتنفيذُ الوعدِ على الأراضي المحتلة كانَ في الحقيقة الموجة الأولى من سلسلة من الهجمات المخطط لها بالكامل والمعقدة للغاية.  تم اختيار الأهداف بعناية وكان نمط إطلاق النار بحيث عجزت المنظومات الدفاعية المتكاملة للكيان وأميركا في المنطقة تماماً عن التصدي لها، ولهذا السبب ارتفعت نسبة تحقيق الضربات أهدافَها بشكل غير مسبوق وهو ما لم يستطع الصهيوني التعتيم عليه ولكنه لم يستطع أيضاً أن يفهمه…

فعلى غرارِ الخطوطِ المعقَّدةِ الأنيقةِ التي كانت في محضرِ جلسةِ الشاي لدى الإمامِ الخامنئي ومن كان معه.. جرى تصميم الموجات القادمة الذي يعتمد على مبدأ “المفاجأة الكبرى” ومكونات محور المقاومة جاهزة للانضمام للعملية في أي لحظة… هذا ما لم تُفصِح عنه كاميرا التصوير لجلسةِ الشاي.. ولكن أفصحت عنه في الميدان أثناء تهشيمِ بوابةِ “حربِ القيامة” التي أرادَ العدوُّ تدشينَها من البيتِ الأبيض!

فالحقيقةُ أن المحورَ أعدَّ خطته جيداً..!

دعكم ممن يقولونَ لكم إنَّ الدِّفاعاتِ الجوية السورية اهترأت.. ودعكم ممن يتساءلون متى يستخدمُ الحزب مضاداتِه الجوية.. واسألوا عن ذلك أسرابَ الطائراتِ التي حاولت العبور في سماواتٍ حرَّة للبنان وسورية.. بل اسألوا أشلاءَ الأسراب التي لم يُسمَح لها أن تخرجَ من قواعِدها..

بالتوازي مع الهجومِ الأمريكي الصهيوني على إيران كانت كلٌّ من العراقِ وسورية ولبنان تقومُ بدورِها في تلقينِ العدوِّ درساً يفتحُ بوابة “حرب المحور” ويحطِمُ بوابةَ “حربِ القيامة” التي اعتمدها العدو!

ولم تغب روسيا كذلك عن مشهدِ التَّصدي للطائرات الصهيونية والأمريكية من خلال التشويش عليها بأنظمتها المتطورة الموجودة في المنطقة لتستلمَ منطوماتُ التشويشِ الليزرية الإيرانية بقيةَ المشهد وهي منظوماتٌ استخدمت لأول مرة في مفاجأة للعدو لتوقعَه في منطقةِ إعماءٍ ضللت عليه أهدافَه وحيَّدت قرابةَ 160 طائرة بالأعماء الإلكتروني من القدرة على العمل ، بينما تعاملت وسائط الدفاعِ الجوية الإيرانية ببراعةٍ للتصدي للصواريخ والطيران الذي وصلَ معظمُه من الأراضي العراقية إقليم كردستان!

استخدامُ إيران للجديدِ عندها أو ما يُعلنُ عنه لأول مرة كان رسالةً خطيرةً جداً على جديدٍ استخدمَه حلفُ العدو قيلَ إن أحدَه كانَ مسيَّرات ra1 وهي النسخة المطوَّرة عن الأمريكية ra107 ، ومعها قاذفاتٌ شبحية مطابقة للقاذفات الشبحية الأمريكية الأحدث والأغلى في العالم b2 Spirit التي استخدمت أيضاً في العدوانِ الأخير على اليمن ضمن مشهد الهجومِ الذي كان يريدُ حلفُ العدوِّ أن يعلنَ فيه انتصاراتٍ مبهرة تعيدُ كونَ المنطقةِ إلى قبضتِه!.. وتُقرأُ خطورةُ استخدامِ إيران لمنظوماتٍ تمكنت من إفشالِ منظوماتِ العدو المستخدمة لأول مرة بأنَّ ما أتى به هدهدنا المجيد من رصدِ صور وفيديوهات ومعلومات دقيقة .. هو مجردُ قشورِ معلومات أمامَ ما لدى المحور من معلومات عن أنواعِ السلاحِ الأمريكي والإسرائيلي.. وما يعنيه ذلك من حجمِ اختراقات كبيرة في عمقِ حلفِ العدو بكل مستوياتِه.. إذ من البديهي أنَّ السلاحَ لا يتمكَّنُ من السلاح ما لم تكن تفاصيلُ المعلومات عن صناعتِه وقدراتِه في حوزتِك لتستطيعَ تصنيعَ مضادٍ له.. وربما متفوقٍ عليه!

لا يتّسع المقام لذكر التفاصيلِ العسكرية الخطيرة كلها التي جرت الحرب بما يشبه بروفا أولى للمواجهة بين “حرب المحور” و”حرب القيامة”، وهذا تتكفل به الدراساتُ العسكرية.. ولكن أردنا التأكيد والتوثيق من خلال ذلك كلِّه.. أن فشلَ العدوان الأمريكي الصهيوني على إيران وربما على ساحاتٍ مقاومةٍ أخرى في ذلك اليوم.. وأن شعورَنا بالنصر والنعماءِ بالأمان في يومِها لا يعني أن الهجومَ كان بسيطاً ولا محدوداً.. بل إنه كان كبيراً وخطيراً ومعقداً وتم الإعدادُ له بعناية كبار الخبراء والعسكريين في حلفِ العدو.. ولكنَّ المحور قد أفشلَه بإعدادٍ دقيق وجهوزيةٍ عالية وجرى ذلك كلُّه بعنايةٍ الأكبر والأعظم.. العناية الإلهية التي تنصرُ من نصرَها!

الأمريكي في المصيدة.. ومحاولات الانسحاب التكتيكي.. لات ساعةَ مندمِ:

جلياً كان ضلوع الأمريكي في العملية.. كما كان جلياً مشهدُ الانسحاب التكتيكي للأمريكي من هذه الورطة بعد أن مرَّغ المحور عنجهيتَه بالذلِّ والفشل.. فسارعت قيادات أمريكا ومسؤولوها للقول إن ليس لهم علاقة بالهجوم “الإسرائيلي” على إيران!

مشهد من الذل والهزيمة يذكرنا بما كانت تسميه الجيوشُ العميلةُ الإرهابية في سورية عندَ تقهقرِها أمام عملياتِ الجيش العربي السوري ب”الانسحاب التكتيكي”.. وما أشبهَ العبدَ الذليل بسيِده… وما أشبهَ ذُلَّهم في الأمس بذلِّ سيِّدِهم اليوم.. ولكن.. لات ساعةَ مندمِ أيها المريكي!

فالأمريكي لُقِّمَ الطُّعمَ “الإسرائيلي” العالق في مصيدة غزة العظيمة.. ودخل معه في الحرب ليعلقَ في المصيدة حيثَ لا تراجعَ ينجيه ولا فرصةَ له سوى الاستمرار تحت عنوان من يقدرِ على دفعِ فاتورةِ حربِه أكثر.. محورُ الحقِّ في حرب طوفانِ التحرير أم محور الشرِّ في حرب الإبادة.. والمنتصر هو الذي سيقيمُ القيامةَ على رأس الآخر ونرى نتنياهو في آخردرب الزوال ينتظرُ عقوبتَه التي سيتجرَّعُها على يدٍ نذرت أن تقتلعَ رأسَه بنفسِها في نهايةِ المطاف!

والتَّراجعُ هاهنا سيقعُ في فخِّ ما تمَّ إعدادُه للانقضاضِ على مكوِّناتِ حلفٍ رأى أن تجرُّعَ الهزائمِ التي لحقت به حتى الآن أهون عليه من تجرُّع ما هو أقسى وأمرّ.. فأمريكا والكيان الآن ليسا ذاتَهما قبل الطوفان.. لا بالقوة ولا بالحضور ولا بالوزن ولا بالتحالفات… ولا عسكرياً ولا اقتصادياً ولا ديبلوماسياً.. ناهيك عن الجبهات الأخرى المشتعلة في العالم والتي تضعُ عناوينَها من مخرجاتِ حربِ المنطقة.. وناهيكَ عن الزنازينِ التي تنتظرُ قادةَ الكيانِ وداعميه لدى أول توقُّفٍ للنار.. أو استسلامٍ أمامِها ولو بعناوين عريضة كالمُضحكاتِ التي يطلُّ علينا بها قادة الكيان وأمريكا مؤخراً!

فالتنازلات لن تكون أكثر إيلاماً مما هو بعدَها!

إسبارتا تُبعثُ من جديد .. والوعدُ الثالث يتربَّصُ بأهدافِه:

السياقاتُ الاستراتيجية لدى محور المقاومة لا تقيس ربحَها بما تحصدُه من جنود وعتادٍ للعدو.. بل بما تحقَّقُه من حضورٍ لقضيتها وتثبيتٍ لوزنِها الذي تعمَّدَ بدماءِ الشهداءِ والنذورِ العظيمة.. وعليه….. ماذا سيحصل؟!

ومن جهة ثانية فإن التعامل مع العدواناتِ والانتهاكاتِ ضدِّ المحور لا يُقاسُ بالنتائج.. وعليه:

“ليس بالنتائج تُتخذ القرارات.. إسبارتا كانت تتعامل مع رسل أعــدائها كجنود لا كمبعوثين.. والمحـور يتعامل مع عمليات أعدائـه بالنوايا لا بالنتائج”

فالأعمال بالنيّات.. وحلفُ العدوِّ كان قد نوى شنَّ حربٍ بأهدافٍ خطيرةٍ على إيران.. وحضَّرَ نفسه ليعلنَ النصر منذ بدأ بتبني العملية أمريكياً قبلَه “إسرائيلياً” ما يجعلُ هذه الخطورة هي محلُّ تقديرِ الردِّ بالنسبةِ لإيران.. فما لم تقم الجمهورية الإسلامية بذلك فهي تعرِّضَ كلَّ ما تمَّ إنجازُه من حضورٍ ووزنٍ للمحورِ الذي في قلبه القدس.. لخطرِ محاولاتٍ أكثر شراسةً واستهدافاً.. وسيقرأ العدوُّ عدم الرَّدِّ بمثابةٍ تهاونٍ قائمٍ على خوف أو حذرٍ شديدٍ من مواجهةٍ حربٍ أوسع.. وهو ما نراهُ اليوم في عين القيادةِ الإيرانية.. وأعلنت عنه بصورٍ معبِّرة تتهدَّدُ العدوَّ بالوعدِ الثالث!

أما قياسُ الوعدُ.. فلن يكونَ إلا بما يفاجئ الصديق قبل العدو.. وعليه ستُبنى عناوين كبيرة.. لن يكون أقلَّها تملُّصُ التحالفاتِ في المنطقة من القبضةِ الأمريكية.. ولن يكون أكثرها العبورُ المُنتظر..!

وقطعاً سننتصر!

رئيس التحرير

فاطمة جيرودية-دمشق