أطل الرئيس الأسد علينا في الخامس والعشرين من آب عام 2024 أمام مجلس الشعب السوري، بكلمته التي تحمل بطياتها كعادته العديد من المفاهيم العميقة، والتصحيح لمفاهيم خاطئة حول قضايا هامة على الساحة الإقليمية والدولية، وأجوبة لتساؤلات تناقلها الشارع السوري والعربي؛ بعضها بهدف التضليل، وبعضها ناجم عن جهل وقصر نظر في قراءة المتغيرات.من أهم المفاهيم العميقة التي قدمها الرئيس بشار الأسد مفهوم “الهزيمة النفسية للعدو” كأهم إنجاز حققته المقاومة في طوفان الأقصى، عندما ألحقتها بالكيان الصهيوني ومجتمعه المتفكك، حيث أوضح سيادته أنّ الهزيمة النفسية للكيان دفعت به إلى فقدان ثقته بقدرته العسكرية.كما تحدث سيادته عن خطورة “التطبيع النفسي” للشعب العربي، والذي أكد أنّه مختلف عن التطبيع الرسمي للقيادات السياسية لبعض الدول العربية. التطبيع النفسي الذي زرع عبر سنين في الأجيال الناشئة، التي حكمها الإحباط واللا انتماء للعروبة والخضوع للغرب. ليأتي طوفان الأقصى ليكسر هذا التطبيع، ويعيد للأجيال صحوتها، سواء في الشارع العربي تجاه قضيتها في تحرير الأراضي المحتلة ومقاومة الاحتلال، أو في الشارع العالمي الذي انتفض إنسانياً ليمسح الغبار عن اتفاقيات جنيف النائمة، وصرخ لاستعادة حرية الشعب الفلسطيني، ولفضح وحشية الكيان الصهيوني تجاه أطفال ونساء غزة، وإبادته لشعب رفض أن يبيع أرضه ويرضخ للتهجير القسري.وأكد الرئيس الأسد أنَّ “الهزيمة” هي ثقافة وفكر وانهيار نفسي وعصبي، وبأنّها مرآة مخادعة نرى فيها أنفسنا مشوهة وقدراتنا غائبة، وأنّ اجتثاث الهزيمة يكون من العقول.كما بيّن سيادته المفهوم الحقيقي لـ “نهاية التاريخ”، وأوضح أنً التاريخ ينتهي عندما تسقط الشعوب وقضاياها وحقوقها وإيمانها بذاتها وقدراتها وسيادتها، ولا يسقط التاريخ بمشروع غربي روج له بكتبه وإعلامه وحروبه. وهذا ما أثبته محور المقاومة الذي أعاد كتابة التاريخ بدمائه وصموده، منذ تحرير جنوب لبنان عام 2000، وانتصار المقاومة في حرب تموز 2006، وتحطيم المشروع الأميركي وحلفائه في سورية عام 2011، وطوفان الأقصى عام 2023؛ تواريخ لن ينساها التاريخ، بل هي التاريخ المشرف لكل حرّ أبيّ.ولم ينس الرئيس الأسد أبناء الجولان المحتل، الذين برهنوا المفهوم الحقيقي للعلاقة بين “الوطنية والسيادة”، حيث برهنوا أنّ غياب السيادة عن أرض الجولان لا تعني سقوط الوطنية من وجدان شعبه، وأن احتلال الأرض لا يعني بيع العرض، وأنّ الوطنية ليست مظهراً ولا ادعاء، بل انتماء متجذر وفق ما أوضح سيادته. شرح السيد الرئيس بشار الأسد أيضاً مفهوم “المبادئ والمصالح” في العلاقات بين الدول عبر توضيح خطوات استعادة العلاقات الطبيعية بين سورية وتركيا في المستقبل، ولكن وفق المبادئ والمصالح التي تستند على احترام السيادة والقانون الدولي. حيث أكد سيادته أنّ سورية كبلد مستقل ذي سيادة لن تتنازل عن حق من حقوقها في أي ظرف من الظروف، ولن تطالب الآخرين بالتخلي عن حقوقهم.حيث أضاف الرئيس الأسد أنّ المبادئ لابدّ أن يكون لها مرجعية تستند إليها، وأكد أنّ الوصول إلى الحل بين سورية وتركيا لابدّ أن يستند إلى “ورقة مبادئ”، تنظم المفاوضات وتمنع المناورة والمزاجية، وتمثل أداة يستند إليها أصحاب المبادرات مثل روسيا وإيران والعراق، لتنجح ورقة المبادئ وفق أهداف واضحة، بخطوات أساسها “السيادة” وحدودها “السيادة” ومعيارها “السيادة”، وأنّ الحل هو نجاح ورقة المبادئ وليس نجاح المصالحة.يطل الأسد من جديد ليؤكد للعالم بأجمعه أنّ بوصلة المقاومة هي بوصلة الشعب السوري وقيادته، وأنّ السيادة والأرض مقدسات لا تنازل عنها، وأنّ الإيمان بالذات وبالحقوق في استعادة الأراضي المحتلة هو طريق النصر، مع العمل الدؤوب. لنسقط عصوراً من وهم الهزيمة عبر ساعات من البطولة وأشهر من الصمود التي تأسست عبر قرون من الانتماء.
د. ربا غزول – سورية