جدلٌ دار بين الكثيرين؛ هل حقاً أعطت الولايات المتحدة الأميركية الضوء الأخضر للكيان الصهيوني في المشهد الذي رأيناه قبل أيام، عبر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية، أم هو قرار صهيوني فقط.
من البديهي أن عملية الاغتيال على أرض إيران لم يكن الهدف منها فقط التخلص من قامة من قامات المقاومة الفلسطينية ورجل المفاوضات، بل هناك هدف أبعد ورسالة أدق وهي المس بالأمن القومي الإيراني، فلطالما كانت إيران – وما زالت – الخطر الأكبر الذي يهدد وجود الكيان الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
يعيدنا هذا المشهد لمشهد سابق لم يمر عليه وقت طويل، وهو استهداف مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، في الأول من نيسان الماضي واغتيال شخصيات هامة إيرانية، تلاه رد إيراني تاريخي موجع غير مسبوق في تاريخ الكيان. لكن السؤال كيف تجرأت اسرائيل على تكرار حماقتها؟ ولنجيب على ذلك دعونا نسرد نقاط القوة والضعف لكِلَي طرفي هذا الصراع الإيديولوجي البراغماتي منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1978.
يُعتبر الكيان الإسرائيلي قاعدة عسكرية أميركية متقدمة، ولديه قاعدة اقتصادية قوية وخبرات واسعة بالحرب السيبرانية والعمليات التجسسية الاستخباراتية (الموساد)، والتي كان آخرها شبكة التجسس في اليمن التي تم الكشف عنها في شهر حزيران الماضي، بالإضافة إلى خبراتها التقنية العالية المدعومة بالأقمار الصناعية من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تستغلها في عمليات الاغتيال عبر الملاحقة ببصمة الصوت وغير ذلك.
أما نقاط الضعف لديه أنه يمتد على مساحة جغرافية صغيرة، وبالتالي من السهل وضع تضاريسه ونقاطه الحيوية تحت المجهر، بالإضافة إلى فقره إلى التاريخ والحضارة وفقد مستوطنيه للانتماء، فهم عبارة عن دوغما من جنسيات مختلفة تم نقلهم إلى فلسطين المحتلة.
الأخطر مما سبق أنه كيان محتل لأرضِ شعبٍ له إحصائية ديموغرافية هائلة، وله قضية تحريرِ أرضٍ واستعادةِ حقٍ مغتصب عمرها أكثر من /76/ عاماً.
تزايدت نقاط الضعف السابقة لتصبح فجواتِ تهديدٍ حقيقيةٍ للأمن القومي الإسرائيلي، وذلك بعد طوفان الأقصى. الأمر الذي اعترف به العدو بلسانه في صحيفة يديعوت آحرونوت، حيث ذكر آفي شيلون أن الحرب المتواصلة على غزة تضعف الاقتصاد وتستنزف المواطنين وتزيد من الخسارات العسكرية البشرية والمادية، عدا عن الآثار النفسية التي بدأت تظهر لدى المستوطنين.
كما لا بد أن نذكر أثر الرد الإيراني التاريخي في 13 نيسان الماضي بالمسيرات والصواريخ الذي سبب انهياراً للعقيدة الأمنية العسكرية الإسرائيلية وهي نظرية الجدار الحديدي.
في المقابل، وبالانتقال إلى الطرف الثاني من الصراع وهو الجانب الإيراني، نجد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة كبيرة مساحتها حوالي (1,650) مليون كيلومتر مربع وعدد سكانها حوالي (88) مليون نسمة، وذات موقع استراتيجي هام يمكنّها من التحكم بالممرات المائية لنقل النفط في الخليج العربي، بالإضافة لتطورها التكنولوجي والسيبراني والتطور في مجال تصنيع الأسلحة، مثل الصواريخ والمسيرات الحديثة، عدا عن الصناعات النووية.
تملك إيران بالإضافة لكل ما سبق نقطة قوة جوهرية، وهي أنها دولة مؤسساتية ذات ثنائية إيديولوجية براغماتية، وهذا ما برهنته بعد فاجعة استشهاد الرئيس الإيراني رئيسي ومرافقيه. حيث أظهرت إيران تماسكاً داخلياً، وأعادت انتخاب رئيس جديد، وأكدت على ثباتها على نهجها المقاوم.
كما تمتاز السياسة الخارجية الإيرانية باستخدام القوة الناعمة مثل الدبلوماسية، وبتحالفها مع أقطاب صاعدة كروسيا والصين، وباستخدام القوة الصلبة من خلال دعم حركات المقاومة، والدول المعادية للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية.
أما نقاط الضعف لإيران – بسبب عدائها للشيطان الأكبر الأميركي – فهي العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، ومحاولات تقييد ملفها النووي.
بعد ما استعرضناه نرى تفاوتاً كبيراً بين مقدرات الكيان الصهيوني القزم والعملاق الإيراني. وذلك يدفعنا للتساؤل “هل ما حدث منذ يومين هو تهور لقيادة صهيوأميركية ناتج عن سوء تقدير وقراءة خاطئة لرد فعل إيران، أم هو قرار أميركي بحرب مفتوحة على إيران، ظناً من أميركا بأن إيران برئاستها الجديدة قد تقدم تنازلاً ما؟”
سؤال سيجيب عنه الميدان في الأيام القادمة؛ هل ستتبنى أميركا حماية إسرائيل فعلاً، وتعلن مسؤوليتها عن قرار الحرب، أم ستترك الكيان متورطاً بحماقاته السياسية؟

ربا غزول-سورية