رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد غازي الجلالي يعرض أمام مجلس الشعب البيان الحكومي التالي:
من منطلق الشفافية، نجد أنه من واجب الحكومة وضعُ مجلسكم الكريم بصورة الملامح الرئيسة للوضع الراهن للتنمية في سورية بأبعادها ومحاورها كافة، واطلاعكم على التحديات التي تواجه عملَ الحكومة خلال الفترة القادمة، وذلك بما يُكسبُ خطةَ عمل الحكومة واقعيتَها عبر الانطلاق من الواقع وتناول مفرداتِه ومؤشراتِه بشفافية، مع الأخذ بالاعتبار أهميةَ هذا التحليلِ كأحد أهم خطوات صنع السياسات وخطط العمل بمختلف مستوياتها عبر الاستدلالِ على المشكلات التنموية التي يجب التعاملُ معها وقياسُ حجمها والوقوفُ على مسبباتها، ومقارنةُ الإمكانات المتاحة في مقابل المتطلبات التنموية لتحديد الفجوات، وصولاً للتعامل معها في متن السياسات والخطط.
يعاني اقتصادُنا الوطنيُّ اليومَ من مشكلات عديدة، تتمثل بمعدلات نموٍّ اقتصاديٍّ ضعيفةٍ ومتذبذبةٍ بين عام وآخرَ تَشكّلَ بفعل خليطٍ من العوامل الخارجية والداخلية، إضافة إلى ضعف الموارد وخروج جزء هام من مكامن الإنتاج، مع ارتفاعٍ مطَّرد بتكاليفه وأسعار مستلزماته، كلُّ ذلك في ظل خللٍ هيكليٍّ في مقومات وحوامل النمو الاقتصادي والتراجعِ في مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي.
وعلى الرغم من الاستقرار النسبي في سعر الصرف خلال الفترة الأخيرة إلا أن معدلاتِ التضخمِ العالمية المرتفعة ساهمت باستمرار ارتفاع الأسعار وتآكلِ القوة الشرائية.
وتعاني أيضاً قطاعاتُ الطاقة والبنى التحتية والخدمات من ارتفاعٍ متزايدٍ في الطلب عليها في ظل نقص الموارد ومحدودية القدرة على تلبيتها وتحسين نوعيتها. ولعل عدمَ توفر الكميات المطلوبة، ولو بالحد الأدنى، من حوامل الطاقة يُعد التحديَ الأهمَّ في وجه الحكومة. ففي ظل عدم توفر هذه الحو٩امل تبقى كافةُ عناصر الإنتاج الصناعي والزراعي مقيدةً ومعطلةً.
تعي الحكومة أن التحدياتِ التي ستواجهها خلال فترة عملها القادمة ستكون كبيرةً ومتعددةً ناجمةً عن عواملَ داخليةٍ وخارجيةٍ، وهذه التحديات ستكون دافعاً للحكومة للتعامل مع مفرزاتها، فعلى المستوى الداخلي تشكل محدوديةُ الموارد المالية واتساعُ الاحتياجات في كافة القطاعات المترافقُ مع التنامي الكبير في حجم الدين العام أهمَّ التحديات التي يتوجب التعاملُ معها، وعلى المستوى الخارجي ستواجَه جهودُ الحكومة بتحدياتٍ تتعلق باحتلال جزء من الأراضي السورية واستنزاف وسرقة الموارد، والإجراءاتِ القسرية الأحادية الجانب المفروضةِ على سورية من بعض الدول والمنظمات، ومفرزاتِ الأزمات الخارجية المختلفة وآخرُها الحرب على لبنانَ وغزةَ، والتحدياتِ المتعلقةِ بالكوارث الطبيعية والبشرية، إضافة إلى التغيرات المناخية (كالتصحر ونقص المياه..) وأثرُها في العديد من القطاعات. تستمد الحكومةُ القدرةَ والإرادةَ على مواجهة تحديات هذه المرحلة ومفرزاتها من إيمانها العميق بأن العملَ التشاركيَّ والجادَّ والمتكامل والصادق مع مجلسكم الكريم سيساهم في تجاوزها وتخفيف آثارها السلبية على المواطن والمجتمع والدولة مما يعزز نماءَ وسيادة الوطن واستقرارَه. تستلهم الحكومة اليوم رؤيتها وبيانَها من أحكام الدستور، والكلمةِ التوجيهية للسيد الرئيس بشار الأسد وبالتالي فإن التعامل مع تحديات المرحلة الراهنة لن يصرفَ الانتباهَ عن استشراف المستقبل والتحضير للمرحلة المقبلة، وهو ما سينعكس في توجه الحكومة على مستوى برامجِ عملها وخططها التنفيذية في التعامل مع الواقع الراهن وإجراءِ التغييرات المطلوبة والتخطيط لمرحلة ما بعدَ الحرب وبناء سورية المتجددةِ، مؤكدين أن إعادة البناء تستهدف الإصلاحَ بكل أنواعه ومستوياته، وليس استعادةَ ما كان قائماً قبل الأزمة فقط.

تتبلور توجهات الحكومة في بيانها الحكومي وفق الآتي:
-تعزيز الهُوية الوطنية بأبعادها التاريخية والحضارية والفكرية والقيمية، بما يحقق التماسكَ والتكافلَ والتضامنَ المجتمعي.
-تنميةُ النشاطِ الاقتصاديِّ الوطنيِّ ورفعُ مستوى الدخلِ الوطنيِّ والاعتمادُ على المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة كمرتكز لتحقيق النمو الاقتصادي.
-حوكمةُ الجهاز الحكومي، وتطويرُ مؤسساته وتعزيزُ موارده البشرية ومراجعةُ سياسة الوظيفة العامة بما يحقق الكفاءةَ والفاعليةَ.
-تعزيز الانتقال إلى اللامركزيةِ الإداريةِ بما يعزز الاعتمادَ على الذات في الوحدات الإدارية، ويحقق العدالةَ في توزيع الخدمات والأنشطة بين المحافظات السورية وتخفيضَ الفجوة التنموية فيما بينها.
-اعتماد نهج التشاركية والحوار بين كافة مكونات الدولة من قطاع حكومي وخاص وأهلي لتحقيق ما تضمنه البيان الحكومي.
-الاستمرار بمراجعة وتطوير كافة السياسات العامة على النحو الذي يضمن الإدارةَ المثلى للموارد الوطنية المتوفرة وتعزيزَ إنتاجيتها.
تم العمل على أن يتضمن البيانُ مجموعةً من السياسات القطاعية والوزارية والبرامجَ التي يلتزم بها الجهاز الحكومي، للتعامل مع المشكلات العامة ومواجهة القضايا الأساسية في ضوء الإمكانات المتاحة عن طريق ترتيب الأهداف والأولويات، ووضع مؤشّراتٍ تقيس حجمَ الإنجاز والعملَ في جميع القطاعات. وتنطلق الحكومة في بيانها من المبادئ العامة الآتية: -التوافق مع المبادئ الاقتصادية والاجتماعية التي كفلها دستور الجمهورية العربية السورية. -مراجعة السياسات بما يضمن تطوير المنظومتين الاقتصادية والإدارية. -مراعاة اعتبارات الكفاءةِ الاقتصادية المتصلةِ بالعدالة الاجتماعية. -الاعتماد على القدرات الذاتية في عملية الانتقال التدريجي المدروس إلى اقتصادٍ منتج. -النزاهةُ والشفافيةُ ومكافحةُ الفساد والهدر، وحمايةُ وصونُ المال العام، وتعزيزُ الرقابة المجتمعية. -الحوار والتشاركية بين مختلف مكونات الدولة لإحداث نقلة نوعية في السلوك والأداء للمؤسسات والأفراد.
في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية
تهدف التحركات الدبلوماسية السورية في الفترة القادمة إلى بناء علاقاتٍ دبلوماسيةٍ متوازنةٍ، وضمانِ احترام سيادة سورية وسلامة أراضيها والدفاع عن مصالحها، وتتخذ من المحدّدات الآتية دليلاً لعملها:
أولاً- إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل، والأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967:
تبقى قضيةُ استعادة الجولان السوري المحتل في مقدمة أولويات الحكومة السورية باعتباره أرضاً سوريةً محتلةً، وسكانُه مواطنون عربٌ سوريون، حيث يتم التأكيد في جميع المنابر الدولية على مطالبة الأمم المتحدة باتخاذ إجراءاتٍ فوريةٍ لوضع قراراتها ذات الصلة موضعَ التنفيذ. ويجري أيضاً فضحُ ممارسات الكيان الصهيوني القمعية في الجولان السوري المحتل، واعتداءاته المستمرة على سيادة الأراضي السورية، في جميع المنظمات والمنابر الدولية. بالتزامن مع ذلك، يواصل بلدُنا وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق في وجه الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، ونقدم أيضاً الدعمَ الممكنَ لأشقائنا اللبنانيين في وجه ما يتعرضون له من عدوانٍ صهيوني غاشم.
ثانياً-مكافحة الإرهاب وإنهاء الوجود غير الشرعي للقوات الأجنبية على الأراضي السورية: تعمل الحكومة على حشد الجهود للقضاء على ما تبقى من التنظيمات الإرهابية، وإعادة الأمن والاستقرار إلى كامل الأراضي السورية، بالتزامن مع مطالبتها الأمم المتحدة بالعمل على إغلاق مراكز الاحتجاز غيرِ الشرعية في شمال شرق سورية، ومطالبة الدول المعنية التي لديها رعايا في تلك المراكز باستعادتهم بما يضمن إغلاقَها وتلافيَ ما تمثله من تهديدٍ مستقبلي. تزامناً مع بذل الجهود على كافة الأصعدة لحشد الدعم اللازم لإنهاء الوجود غير الشرعي للقوات الأجنبية على الأراضي السورية، سواء الأمريكية في شمال شرق سورية، أم التركية في شمال غرب سورية.
ثالثاً- مواجهة التدابير القسرية الأحادية الجانب: في ضوء التداعيات الكارثية للتدابير الانفرادية القسرية التي تفرضها الولاياتُ المتحدة الأمريكية والاتحادُ الأوروبي على سورية، تعمل الحكومة السورية، ومن خلال اتصالاتها مع الدول الصديقة، ومشاركاتِها الدوليةِ في جميع المنابر على الضغط للرفع الفوري والكامل لتلك التدابير.
رابعاً- حشد التمويل والدعم لجهود الحكومة في المجالين الإنساني والإنمائي بالإضافة إلى الدبلوماسية الاقتصادية التي تنشط بها الحكومة السورية لنسج شراكات وعلاقات تخدم تحقيق أهدافها، فإنها تكثف من اتصالاتها مع المنظمات والبرامج الدولية المختلفة للعمل على ضمان التمويل الدولي المستدام للأنشطة الرامية إلى تحسين الأوضاع الإنسانية في سورية.
خامساً- تيسير عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم قامت الحكومة السورية باتخاذ الكثير من الإجراءات التي تدعم عودةً كريمةً للاجئينَ والمهجرينَ السوريين إلى مناطقهم الأصلية، وتستمر بالتنسيق والتعاون مع مفوضية اللاجئين، وتتعاون مع دولٍ شقيقة وصديقة لإطلاق مشاريعَ رياديةٍ تسمح بتوفير الخدمات الأساسية، بما يمثل نموذجاً يساعد في تسهيل وتسريع العودة الكريمة. سادساً- الانضمام إلى التحالفات والتكتلات الإقليمية تعمل الحكومة السورية -ضمن سياستها للتوجه شرقاً- على الانضمام إلى التكتلات والتحالفات الاقتصادية الصاعدة مثل مجموعةِ بريكس، ومنظمةِ شانغهاي، والاتحاد الأوراسي، والراميةِ إلى إنهاء احتكار المؤسسات المالية الدولية التي يهيمن عليها الغرب الجماعي، وإنشاء نظامٍ اقتصادي ومالي أكثرَ عدالةً وتوازناً.
في مجال الدفاع والأمن الوطني
تلتزم الحكومة بمواصلة دعم الجيش العربي السوري والقوات المسلحة وتمكينها من الدفاع عن بلدنا وحمايةِ مقدساته وضمانِ سلامة شعبه وتطويرِ قدراته إيماناً منها بمبدأ أن الجيشَ للحرب والإعمار، وتعزيز القدرات العسكرية لتحقيق الردع والدفاع من جهة، والمشاركة في بناء الوطن وتطوير قدراته في جميع المجالات وتنظيمها بالشكل الأفضل في إطار استراتيجيٍّ لتحقيق أمنها الوطني من جهة أخرى.
وضمن هذه الرؤية تتبنى الحكومة الأهدافَ الاستراتيجيةَ الآتية:
-السعي لتحقيق أهداف الدولة في تحرير كافة أجزاء الوطن المحتلة والقضاء على الإرهاب وإعادة بناء قوة الردع ومنع الأعداء من الاعتداء على مصالح وسيادة الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار.
-العمل على تنظيم وحشد الطاقات لتحقيق مهام السياستين العسكرية والأمنية بهدف إرساء الأمن والاستقرار في كافة أراضي الجمهورية العربية السورية.
-مكافحة الإرهابِ بكافة أشكاله وأدواته، وكافةِ أنواع الجريمة.
-دعم وتمكين ذوي شهداء جيشنا وقواتنا المسلحة وجرحانا الأبطال وعائلاتهم والعمل على توفير حياة كريمة لهم وفاءً لتضحياتهم الجسيمة.
تواجه جهودُ الحكومة في مجال الدفاع والأمن الوطني تحدياتٍ كبيرةً، أهمها:
-قيام بعض الدول بدعم الإرهاب في بلدنا وحماية المجموعات الإرهابية المسلحة.
-الاعتداءات الصهيونية على دول المنطقة ولا سيما على بلدنا وعلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى لبنانَ الشقيق.
-السياسات العدائية لبعض الدول تُجاه بلدنا.
ولمواجهة هذه التحديات وتحقيق الأهداف الوطنية في الدفاع والأمن والاستقرار تتبنى الحكومة التوجهاتِ الآتيةَ:
-تبنِّي سياسةٍ دفاعيةٍ وأمنيةٍ تعزز المصالح العليا للدولة وحمايتها من المخاطر آخذةً في الاعتبار المتغيراتِ الداخليةَ والخارجيةَ إقليمياً ودولياً.
-الاستمرار بتمكين القوات المسلحة والارتقاء بمستواها لتكون قادرةً على مواجهة كل التهديداتِ والتحدياتِ والمخاطرِ.
-متابعة رفع جاهزية وزارة الداخلية في مجال حفظ الأمن والنظام، والتصدّي للعصابات الإرهابية المسلحة.
-التعاونُ مع الدول الصديقة والاستفادةُ من تجارِبها لتطوير قدرات قوات حفظ الأمن والنظام.